أ- أنَّ الصَّوْمَ يُرَبِّي مَلَكَةَ التَّقْوَى في النُّفُوسِ؛ وَهِيَ الغَايَةُ الكُبرَى مِنَ الصِّيَامِ، بلْ مِنْ جميعِ العِبَادَاتِ أَيْضًا، يَقُولُ سمَاحَةُ المُفْتي -حَفِظَهُ رَبي-: " فالتَّقْوى هِيَ الغَايَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ، كَمَا أنَّهَا الغَايَةُ مِنْ بَقِيَّةِ العِبَادَاتِ الَّتي فَرَضَها اللهُ سبحانه وتعالى"؛ قَالَ تَعَالى خَاتمًا أُولى آيَاتِ الصِّيَامِ: }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ البقرة: 183
ب-أنَّ الصَّوْمَ -بالإمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ والجِمَاعِ- وَسِيْلَةٌ إِلى شُكْرِ النِّعْمَةِ؛ فَلا يَعْرِفُ حَقَّ النِّعْمَةِ إِلا مَنْ حُرِمَهَا أو مُنِعَ مِنْهَا، وإِلى ذَلِكَ أَشَارَ الموْلى في قَولِهِ جَلَّ وعَلا وَسَطَ آيَاتِ الصِّيَامِ: }وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { البقرة: 185.
ج-أنَّ الصِّيَامَ يَكْبَحُ جمَاحَ الشَّهَوَاتِ، ويمنَعُ مِنَ الانْزِلاقِ في الملَذَّاتِ لا سِيَّمَا في مَيْعَةِ الشَّبَابِ؛ قَال صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
د- أنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحمَةِ والعَطْفِ عَلَى المحتَاجِينَ، فَإِنَّ الصَّائمَ إذَا ذَاقَ ألَمَ الجُوعِ في بَعْضِ الأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ مَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ في جمِيعِ الأَوْقَاتِ، فتَدُبُّ في نَفْسِهِ مَشَاعِرُ الرِّقَّةِ والرَّحمَةِ والإِحْسَانِ تجَاهَ المحتَاجِينَ والمحرُومِينَ، فيَبْسُطُ يَدَهُ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ، فينَالُ بِذَلكَ مَا عنْدَ اللهِ تَعَالى مِنْ حُسْنِ الجَزَاءِ عَلَى حُسْنِ العَمَلِ، يَقُولُ صَاحِبُ القَوَاعِدِ: "وفَرَضَ سُبْحَانَهُ الصَّوْمَ عَلَى ذَوِي الفَاقَةِ والأَغْنِيَاءِ لِكَسْرِ شَهْوَةِ النَّفْسِ الَّتي هِيَ دَابَّةُ الشَّيطَانِ، ولِيَعْرِفُوا إذَا صَامُوا رَمَضَانَ مَا يُقَاسِيهِ ذَوُو الفَاقَةِ مِنْ شِدَّةِ المجَاعَةِ طُولَ الزَّمَانِ"..فالقَلْبُ في شِبَعٍ والبَطْنُ خمْصَانُ.
ه- أنَّ الصِّيَامَ يُعلِّمُ الأمَّةَ أفرادًا وجماعاتٍ النِّظامَ والالْتِزَامَ والحَزْمَ والجِدِّيَّةَ -كَمَا لا يخْفَى عَلَى عَارِفٍ بأَحْكَامِ الصِّيَامِ-.
و- أنَّ للصِّيَامِ فَوَائِدَ صِحِّيَّةً وبَدَنِيَّةً، وَقَدْ أَخْبرَنَا بِذَلِكَ الصَّادِقُ المصْدُوقُ قَبْلَ أَكْثرَ مِنْ أَرْبعَةَ عَشَرَ قَرْنًا بِقَولِهِ: "...وَصُومُوا تَصِحُّوا"، ولِذَا فقَدْ أَوْصَى بِهِ الأطِبَّاءُ المُحْدَثُونَ لعِلاجِ الكَثِيرِ مِنَ الأَمْرَاضِ الجِسْمِيَّةِ..
ومِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ الصِّحيَّةِ أَنَّهُ يُذِيبُ الشُّحُومَ الزَّائِدَةَ بِالجِسْمِ، ويُطَهِّرُ المعِدَةَ مِنَ الرَّوَاسِبِ، ويُرِيحُ الجِهَازَ الهَضْمِيَّ، وهَذَا مِنْ إِعْجَازِ السُّنَّةِ وأَعْلامِ النُّبُوَّةِ الصَّادِقَةِ